مصيدة الحيل النفسية، والانشغالات الفارغة!

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
مصيدة الحيل النفسية، والانشغالات الفارغة!, اليوم الاثنين 22 ديسمبر 2025 11:46 مساءً


أكبر مصدر للحيل النفسية هو الإنسان، يخترع اللغة حتى يهرب من واقعه، ويصنع الأسباب الواهية ليقنع نفسه أنه على صواب، وليس هذا فحسب، بل يقوم بتغليفها وشحنها للكسالى أمثاله من هاجري القراءة والعمل، ومدمني الاستراحات والشبات والهدوء المصطنع تحت مصطلحات من كلمات أجنبية مثل «أنا بحاجة للهدوء» و»الريلاكس»، برغم أنه في العمل لا يعمل، فهو يبعث المعاملة لأقرب زميل، وفي البيت لا يعمل، فهو يطلب من التطبيقات وتقوم العاملة المنزلية بكل شيء بما في ذلك «الانتباه للأولاد» طوال اليوم!

هذه الحيل النفسية تطل علينا مثل ثعبان لعين يريد أن يسقيك السم على هيئة من يقرأون، ويصابون بلوثة نفسية، أو أنهم يعيشون في عالم آخر، ويستشهد بأنه سمع شخصا يقول لعامل محطة البنزين بلغة عربية فصيحة «املأ لي خزان بنزين سيارتي بمئة وسبعين ريالا فقط لا غير!» ولا يعرف أن هذا الشخص هو ممن تستضيفهم المملكة ودرس اللغة العربية بمعهد اللغة لغير الناطقين بها!

هذا المشغول جدا بلا شغل بحيله النفسية الكثيرة، لو تأملت حياته لوجدت «العجب العجاب»، ولو قال إن جملتي الأخيرة متقعرة للغاية، فمثلا لديه من الوقت ما يكفي أن يطل بنظره السريع على كل حالات المئة وخمسين شخصا في مواقع التواصل الاجتماعي، لكن ليس لديه وقت أن يصرف هذا الوقت نفسه أو بعضه للاطمئنان على أمه!

لا يملك وقتا للقراءة، برغم أن لديه وقتا ليقرأ في تصفح سريع أخبار مشاهير السوشيال ميديا الذين لا يقدمون أي إضافة معرفية له، ولا يملك وقتا للعمل لديه، برغم أن أخبار الترندات العالمية والمحلية في عقله وهو رائد في آخر الأخبار، ولا وقت لديه للرياضة، وهو أستاذ مشارك في التمدد على سرير النوم تسع ساعات في اليوم (لم أحسب النوم نفسه من ضمن التمدد على السرير)، أما وقت اكتساب المهارات فتركه من أجل مهارة الانتقال بين التطبيقات التي لا تنتهي في هاتفه المحمول وعقله المحمول على الفوضى أيضا.

دائم التأجيل بحجة الوقت وهو السباق لمشاهدة مسلسل جديد، ودائم التأجيل وهو الأكثر عناية بوقت الترفيه والأكثر إحالة للأعمال إلى إخوته وأخواته، برغم أنه يجد الوقت الكافي للتنظير حول الأفضل والأحسن والأنسب والأذكى، ويوزع صفات البؤس على الآخرين مثل الأسوأ والأغبى. وهو نفسه الذي لا يجد وقتا للعائلة، برغم أن ليل الشتاء الطويل قد صار فيه جليسا حميما ومنفقا سخيا من وقته على شبة النار وسوالف الناس!

بالمناسبة، هذا الشخص هو الرجل الذي يتعب من لا شيء، ويرهقه النوم فينام حتى يرتاح من ألم الظهر والرقبة من كثرة تقلبه على الفراش، وهو نفسه الذي يخفض من درجة حرارة المكيف في الصيف حتى تزداد ساعات نومه، ويرى أن الدفء في الشتاء خير جليس في الزمان وليس الكتاب أو الثقافة!

أعود للحيل النفسية، من يفعل هذا كله سيجد المبررات اللغوية والفكرية والذهنية التي تجعله بهذا الشكل، فهو يردد ما قيل في ذلك المقطع «تشتغل تغلط كثير تفصل عن العمل، ما تشتغل ما تخطئ تترقى»، فيحيل المعاملة لمن هو بجواره وهو فنان ومحترف في التصريف مثل «ليس من الاختصاص» و«للاطلاع والتوجيه»، وغيرها من كلمات «الدف» للغير، ولديه حيل نفسية متعددة مثل «الثقافة لا توكل عيش»، وأيضا «المثقفون معقدون»، و«التفكير في الإصلاح يتعب النفسية»، ويختمها بعبارة «كبر دماغك».

أخيرا: أرى أن الحيل النفسية عرض للمرض، وأن الانشغالات الوهمية عرض أيضا، وأن الإشكالية الحقيقية هي في الوعي الذي يرسخ بعض الحيل النفسية حتى تصبح قواعد، ومقاومتها تعتبر خطيئة، ومن يعمل ويقاوم حيله النفسية إنما هو مريض نفسي!

Halemalbaarrak@

أخبار ذات صلة

0 تعليق