تحذير قرآني يحمي المجتمع أكدت دار الإفتاء المصرية أن قوله تعالى: ﴿وَلَا تَجَسَّسُوا﴾ [الحجرات: 12] يحمل توجيهًا أخلاقيًا وتشريعيًا بالغ الأهمية، يهدف إلى صيانة كرامة الإنسان، وحفظ خصوصيته، وحماية المجتمع من التفكك وسوء الظن، مشددة على أن التجسس من الصفات المذمومة التي نهى عنها الشرع لما يترتب عليها من أذى وفساد.
ما المقصود بالتجسس في الآية الكريمة؟
أوضحت دار الإفتاء أن التجسس المقصود في الآية هو التطفل وتتبع عورات الناس وعيوبهم، سواء كانت عيوبًا خُلقية أو خِلقية، وذلك عبر البحث والتفتيش عمّا يخفونه ويستحون من إظهاره، أو يكرهون اطلاع الآخرين عليه، سواء كان هذا الأمر صوابًا أو خطأ.
وبيّنت أن هذا السلوك إذا كان بدافع الفضول، أو بقصد الإضرار بإنسان غير متهم بجريمة، فإنه يدخل في نطاق التجسس المحرم شرعًا، لما فيه من انتهاك لحرمة الإنسان وخصوصيته التي كفلها الإسلام.
تفسير العلماء لقوله تعالى: «ولا تجسّسوا»
استشهدت دار الإفتاء بما قرره علماء التفسير في بيان معنى الآية، ومن ذلك ما قاله الإمام شمس الدين الخطيب الشربيني الشافعي في تفسيره السراج المنير:«وقوله تعالى: ﴿ولا تجسّسوا﴾ حُذف منه إحدى التاءين، فالأصل: ولا تتجسّسوا، أي: لا تتبعوا عورات المسلمين ومعائبهم بالبحث عنها».
التجسس أذى للفرد وتهديد للمجتمع
بيّنت دار الإفتاء أن تحريم التجسس لا يقتصر على كونه ذنبًا فرديًا، بل لأنه يؤذي الناس بغير وجه حق، ويُفسد العلاقات الاجتماعية، وينشر الشك وسوء الظن، ويهدم الثقة بين أفراد المجتمع، وهو ما يتعارض مع مقاصد الشريعة في حفظ النفس والعِرض وبناء مجتمع متماسك.
أحاديث نبوية تحذر من تتبع العورات
دعّمت دار الإفتاء بيانها بجملة من الأحاديث النبوية الصحيحة التي شددت على خطورة التجسس وتتبع العورات، ومنها قول النبي ﷺ:
«لَا تَجَسَّسُوا، وَلَا تَنَافَسُوا، وَلَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا»
رواه الإمام مسلم في صحيحه.
كما ورد عنه ﷺ قوله:«يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُفْضِ الإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ، لَا تُؤْذُوا المُسْلِمِينَ، وَلَا تُعَيِّرُوهُمْ، وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ المُسْلِمِ تَتَبَّعَ اللهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ تَتَبَّعَ اللهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ»
رواه الترمذي في سننه.
حرمة المؤمن أعظم من حرمة الكعبة
وفي سياق بيان مكانة الإنسان وحرمة عرضه، نقلت دار الإفتاء ما ورد عن الصحابي الجليل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، حين نظر يومًا إلى الكعبة فقال: «ما أعظمكِ وأعظم حرمتكِ، والمؤمن أعظم حرمة عند الله منكِ».


















0 تعليق