في أجواء تتنفس فيها الكلمات روحانية، وتتصاعد فيها الأنغام بين صدق التلاوة وإتقان الأداء، استقبل جمهور "دولة التلاوة" حلقة جديدة تحبس الأنفاس.
رحلة فنية وروحية تأخذ المشاهد بين الدقة التجويدية
مواجهة لم تكن مجرد سباق على الأصوات، بل رحلة فنية وروحية تأخذ المشاهد بين الدقة التجويدية والجمالية الصوتية، حيث التنافس بين القارئين الشابين محمد أحمد حسن ومحمد ماهر لم يكن مجرد اختبار للمهارة، بل اختبار للروحانية والصبر، وسط متابعة دقيقة من لجنة تحكيم تضم أبرز الخبراء في علم الصوت والمقامات القرآنية.
متابعة دقيقة من لجنة تحكيم
حلقة الثالثة عشرة من برنامج "دولة التلاوة" حملت معها إثارة غير مسبوقة، إذ التقى فيها القارئان الموهوبان محمد أحمد حسن ومحمد ماهر في تحدٍ جعل كل ثانية من أدائهما محل متابعة دقيقة من الجمهور ولجنة التحكيم على حد سواء. وكان واضحًا منذ البداية أن هذه الجولة ستشهد تصاعدًا في مستوى المنافسة، لا من حيث السرعة أو الجرأة في الأداء فحسب، بل من حيث جودة التنقل بين المقامات والالتزام بقواعد التجويد.
بدأ الدكتور طه عبد الوهاب، خبير الأصوات والمقامات، بإضفاء روح من الحماسة على التعليقات، مؤكدًا أن المنافسة لم تعد مجرد تجربة عابرة، بل أصبحت ساحة يظهر فيها كل قارئ نجوميته الحقيقية. وركز عبد الوهاب على تفاصيل دقيقة، من بينها ضرورة استقرار النغم في بعض الكلمات، خاصة لدى محمد ماهر، مشيرًا إلى أهمية عدم تحويل نهاية عبارة "بإذن الله" إلى سؤال صوتي غير مقصود، كما أبدى ملاحظاته حول تكرار "القفلات" في مواضع معينة، في حين أشاد بمهارة محمد أحمد حسن في التنقل بين المقامات المختلفة، معززًا شعوره بالتقدم الملحوظ عن الحلقات السابقة.
من جهته، الشيخ حسن عبد النبي، وكيل لجنة مراجعة المصحف بالأزهر الشريف، ركز على ثبات أداء محمد أحمد حسن، مشيرًا إلى انسيابية قراءته والالتزام الصارم بالوقف والابتداء. وأكد على ضرورة اهتمام محمد ماهر بالوقفات الصحيحة خاصة في سورة التغابن عند كلمات "فاحذروهم" و"فتنة"، ونبهه إلى إعطاء "المد العارض للسكون" حقه الكامل، لتكتمل الصورة التجويدية بشكل دقيق.
أما القارئ الدكتور أحمد نعينع، فقد لفت الانتباه إلى أن محمد ماهر كان في بعض قراءاته يميل إلى إبراز طول النفس واستعراض القدرة الصوتية، على حساب الالتزام الكامل بآليات الوقف والابتداء. بالمقابل، وصف أداء محمد أحمد حسن بأنه أكثر انسيابية وملاءمة لمعايير التجويد الصارمة، ما جعل صوته ينساب بسلاسة بين الحروف والكلمات، مؤكدًا تميز القارئ الشاب في الحفاظ على روحانيّة التلاوة دون التفريط في الجوانب الفنية.
واختتم الداعية مصطفى حسني الحلقة بخاطرة إيمانية عميقة، ربط فيها بين ما تلاه القارئون من آيات سورة التغابن، ومعاني العداوة والابتلاءات الأسرية التي قد يواجهها المؤمن من أقرب الناس إليه.
وأكد حسني على أن الرسالة القرآنية لا تقتصر على التجويد أو الصوت، بل تتعداه إلى سلوكيات عملية كالصفح والعفو والغفران، لتصبح التلاوة تجربة روحية متكاملة، تحمل معها دروسًا حياتية وقيمية للمشاهد.
في النهاية، لم تكن المنافسة بين محمد أحمد حسن ومحمد ماهر مجرد مواجهة صوتية، بل كانت لوحة متقنة من فن التجويد والروحانية، جسدت الهدف الأسمى للبرنامج، وهو الجمع بين الإتقان الفني والبعد الإيماني العميق، لتظل حلقة الثالثة عشرة علامة مضيئة في تاريخ "دولة التلاوة".

















0 تعليق