نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
على درب زبيدة الخامس ننطلق في ربوع بلادنا.., اليوم الخميس 25 ديسمبر 2025 03:58 صباحاً
يكاد العام يمضي وقصة درب زبيدة القادمة قادمة والماضية لم تكتمل.. دربنا الماضي على قافلة درب زبيدة كان مختلفا في تجربتي عن الأعوام السابقة، حيث لم أركب دراجة ولا حصانا ولا جملا وإنما عدت للمشي على رجلي ليس لانتهاء المغامرات الممكنة والمحتملة ولكن لأني كنت مصابة هذا العام وليس أمامي سوى أن أمشي جزءا من الطريق وأعاود المحاولة بعد أن تضرر وركي على إثر سباق طويق الجبلي الذي سابقت فيه بمسافة 25 كم وحققت المركز الثاني لفئة الستين العمرية، لكني لم ألبث بعده بأسبوع أن تذكر جسمي الإنهاك الذي حملته إياه بهذه التجربة، مع أنها الثانية، لكن لسبب لم أفهمه تقوقع جسمي على نفسه ورفض أن أستمر في الركض ودخلت في سلسلة من جلسات العلاج الطبيعي التي لم تنجح كليا. المهم أن أبا سلطان لم يقبل ألا أشارك في الدرب وطلب مني أن أشارك قدر طاقتي، وقد كان محقا والتجربة أثبتت أن جسدي ما زال يستجيب لنداءات البيئة والطبيعة فكنت كل يوم أمشي مسافة أطول من الأولى وهكذا أنهيت 28 كم في الأيام الثلاثة بين فيد وسميراء.
وكانت تجربة مختلفة عن السنة الأولى التي مشيت فيها لعشرة أيام مسافة 360 كم، وهي تجربة كنت أخوضها للمرة الأولى، فلا أكتفي بالقول إنها كانت متعبة، ولكن فوق ذلك بمراحل عدة لكنه كان تحديا مع النفس أن أكمل كل يوم ما بدأته.
لكن هذا العام كان الوضع مختلفا، ربما لأنه لم يكن لدي هذا الضغط النفسي لأكمل خارج طاقتي، ومن ناحية أخرى أظن أن اللياقة اختلفت جدا بعد أربع سنوات من ممارسة شتى أنواع الرياضة، فكانت هناك متعة لا سيما مع الصحبة الجميلة والقصص والمفارقات في الصباحات الباردة أو الصراع مع الخيام في غلقها وغلقها، أو في التجمع خارج خيامنا لمراقبة غروب الشمس بعد انتهاء المسيرة والعودة لمخيمنا.. مشاهد خلابة كالعادة فضلا عن أفراد القافلة الذين أصبحوا كالأهل، نسأل عن بعضنا بعد غياب عام وأين أصبحنا وما أنجزنا أو أبحرنا، فضلا عن متعة المشي في ظل الحوارات الشيقة والنقاشات العميقة والتأملات التي لا تنتهي في الطبيعة وفي درب الحج وحجاجه والسيدة زبيدة ورؤيتها الثاقبة لخدمة حجيج بيت الله الحرام.
كان الجميل في هذا التجمع السنوي الصداقات التي تنشأ والاتفاقات التي تتطور لمشاريع قادمة أو آنية، عفوية أو بتخطيط. هذا العام قد رتبت مهام علمية وبحثية في العلا على إثر درب زبيدة بعد يوم التأسيس في فبراير 2025، وقد قررت استئجار سيارة والسفر بها من حائل إلى العلا، حيث سبق أن سلكت هذا الطريق بالعكس مع العزيزة د. عواطف القنيبط، ويستغرق حوالي أربع ساعات. وسألت من يرغب في الانضمام إلي، فبعد مداولات مع العديد ممن يحتاج إلى اتخاذ قرار وتغيير مسارات، حتى انتهينا إلى أن نكون أربعة في سيارة أحد الأصدقاء من قافلة الدرب وإحدى الصديقات الجدد من هولندا وصديقتي العتيدة الدكتورة آسيا الرواف وانطلقنا في مغامرتنا صباح اليوم الأخير من حائل.
فاتجهنا صباحا بعد الإفطار الملوكي عند أبي سلطان نحو العلا. لكن ونحن في منتصف الطريق طرح رأي بأن نمر على موقع طبيعي يدعى «محجة عنزة» في غاية الجمال، لطالما تغنى به الرحالة. يقع على هذا الطريق إلى الشمال منه قليلا، وحاولنا أن نقنع أحد أهل حائل الخبيرين في هذه الطرق ليرافقنا لكنه للأسف لم يتمكن، فاعتمدنا على جوجل ماب وما يمكنه أن يشير علينا به، لكن هذا لم يكن كافيا نظرا إلى أن الطريق للوصول إليها كان ترابيا. فقررنا أثناء مرورنا ببقالة أن نسأل عمن يعرف الطريق إلى المحجة، فرد أحدهم بأن عائلته مخيمة بالقرب منها وأنه متجه إليهم الآن ويمكننا اللحاق به. فلم نتردد والوقت كان ما زال باكرا، كانت الساعة الثانية عشرة ظهرا، فسرنا وراءه على طريق ترابي لمسافة طويلة ثم توقفنا لينحدر باتجاه خيمة أهله التي بدت في البعد، وقال انتظروا. فانتظرنا مدة طويلة ولم يأت ولم نتبادل معه رقم هاتفه وليس هناك إرسال بالأساس، وبعد التقاط كل الصور الممكنة والاستمتاع بالوقفة والاستراحة، لم يعد هناك ما يمكننا فعله. فقررنا أن نمضي ولا ننتظر ولا سيما أن جوجل ماب أظهر المحجة أمامنا، لعله كان تشجيعا خاطئا مني. فتحركنا.
وكان الطريق واضحا لمسافة طويلة التففنا يسارا حول قرية أو هجرة من غير اسم، واستمررنا فترة كان من المفترض أن يظهر الجبل على إثرها أمامنا أو على يسارنا لكننا لم نجد شيئا، وكان لا بد أن نستمر في المضي. وكان قائد المركبة قد سبق له الذهاب إليها لكنه كذلك لم يستدل، واستمررنا نسير على غير هدى حتى قررنا الالتفاف إلى المزيد يسارا وجنوبا، حيث اقتربنا مما يبدو أنها جبال ضخمة، لكن الطريق كان رمليا ما لبث أن امتص كفرات السيارة لتغرز بنا.. فنزلنا نتأملها من كل الجهات ونحن في وسط الصحراء وقد انقطع الإرسال دون أن تنجح كل محاولات الإخراج بل ساءت فأصابتنا نوبة ضحك، ربما لنخفي خشيتنا من عواقب هذا القرار الذي اتخذناه بالمضي دون دليل وبسيارة واحدة وخريطة غير واضحة.
المفارقة التي جعلتنا ننظر للأمر بهزل أن السيارة نفسها غرزت بنا اليوم السابق ونحن على الدرب في إحدى الاستراحات، عندما قرر أربعة منا فيها وأنا أقودها أن نقترب من إحدى الجبال المخرومة واسم المعلم «جبل المخروق» لكن محاولاتي غير الخبيرة بالتغريز لم تنجح في تخليص السيارة، وأيضا كنا في مكان من غير إرسال فلم نتمكن من إرسال نداء للقافلة فاتخذنا قرارا بأن ننقسم إلى مجموعتين، واحدة تبقى عند السيارة وأنا وصديقة أخرى نتجه إلى المخيم وقد توسمنا الاتجاه، ولا سيما أننا لم نقطع سوى كيلومترين أو ثلاثة ونحن نمشي طيلة الوقت على كل حال، فانطلقنا نمشي حتى وصلنا مع صعوبة العثور على مخيم الاستراحة الذي كان غاطسا في واد فلم يظهر لنا حتى اقتربنا منه بالفعل. لكن قصة اليوم التالي مختلفة وليس هناك أحد في الجوار ورغم أن الساعة هي الواحدة ظهرا لكن الإحساس بالخطر قد بدأ يتسرب إلى بعض القلوب، لكن من وجهة نظري كان علينا أن نتجه إلى القرية التي مررنا بها حيث لا بد أن نجد فيها من يخلص السيارة، لكننا بعد أن مضينا بضعة أمتار وجدنا أننا لم نعد نرى السيارة، كما أننا لا نستطيع أن نسجل الموقع على الجوال لعدم وجود إرسال. فاتفقنا على أن ننقسم كما اليوم السابق. وإذ بنا نشاهد على البعد جمالا ترعى وتتبعناها بأنظارنا حتى استطعنا تمييز موقع راعيها فاتجه زميلنا ناحية الراعي وأنا في اتجاه آخر، حيث رأينا سيارات في البعد.. أخذنا نؤشر لها لكن زاويتنا لم تكن في مجال رؤيتهم، حتى وصل زميلنا إلى الراعي ومن ثم استطاعا لفت انتباه إحدى السيارات التي اقتربت واتجهت إلينا وفي دقائق كان قد حرر السيارة من الرمال.
فسألناه عن المحجة فقال يمكنه أن يقودنا إليها لكنه يحتاج أن يرجع لإبله هو الآخر، فسرنا وراءه غير مصدقين أن المغامرة ما زالت مستمرة وستنتهي بأن نرى هذه المحجة، حتى وصلنا.. وكان المنظر المهيب.. الجليل.. المبهر في جمال الخالق.. تكوين طبيعي لمجموعة من الجبال التي تشكل دائرة وتخترقها تجويفات في مناطق مختلفة منها مشكلة أقواسا ضخمة وكأنها بفعل بشر لكنها طبيعية، وقد استدلت عليها قوافل التجار والحجيج وغيرهم عبر التاريخ، وتركوا رسوماتهم ونقوشهم وكتابات البادية عليها وكثيرا من رسوم الإبل والوعول. المقياس ما بين أحجامنا وحجم التشكيل الحجري الطبيعي ذو فارق كبير، وهو الذي يكشف عظم الارتفاع والامتداد والجمال أيضا. يبدو أن الرياح استطاعت أن تنفذ من خرم بسيط تحول بمرور الزمان إلى قبة ضخمة بأقواس وعقود خلابة. وأزف الوقت والرجل ينادينا أنه لا بد أن يمضي عائدا ونحن لا بد أن نسير على إثره، فلملمنا أنفسنا من الدواخل والخوارج والتقطنا آخر الصور الفنية والجماعية وانطلقنا وراءه، لنجد أن السيارة بدأت تئن فوق رصيف من الحجارة المتلاحقة حتى أصابت هيدروليك المقود الذي لم يعد بإمكانه الالتفاف يمينا أو يسارا.. وبشق الأنفس وصلنا إلى الاسفلت واتجهنا مباشرة إلى أقرب محطة بنزين. عالجوا ما يمكن معالجته وترك الباقي حتى نصل العلا. وللحديث بقية.














0 تعليق