استراتيجية الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإحلال السلام في الشرق الأوسط تمثل محاولة غير مسبوقة لإعادة ضبط الصراع العربي الإسرائيلي، من خلال دمج الجوانب الأمنية والسياسية والاقتصادية والتنموية في خطة متكاملة. وقد تطورت هذه الاستراتيجية بين مرحلتين رئيسيتين الأولى (2017-2021) المعروفة باسم "السلام من أجل الازدهار"، والثانية الحديثة المكونة من 20-21 بندًا، والتي تتعامل مع آثار حرب غزة الأخيرة وتضع أسسًا لحل طويل الأمد.
المرحلة الأولى: السلام من أجل الازدهار
وفي دورته الأولى، ركّز ترامب، بمشاركة صهره جاريد كوشنر، على الجانب الاقتصادي كقاعدة لبناء تسوية سياسية مستقبلية تشمل قضايا القدس، الحدود، اللاجئين، والأمن.
أهم ملامح الخطة
استثمار 50 مليار دولار في مشاريع فلسطينية، داخل غزة والضفة، وفي دول الجوار (مصر، الأردن، لبنان).
إنشاء ممر اقتصادي يربط غزة بالضفة الغربية.
تشجيع المستثمرين العرب والدوليين على تطوير البنية التحتية.
تأسيس صندوق دولي للسلام والاستثمار، بإدارة أميركية–خليجية–أوروبية.
ربط الدعم الاقتصادي بالتزام الفلسطينيين والإسرائيليين بالتعاون الأمني والسياسي.
ومع ذلك، لم تتحقق هذه الرؤية بالكامل بسبب خسارة ترامب الانتخابات، وتولي الرئيس الديمقراطي جو بايدن الحكم، حتى اندلاع حرب غزة في 7 أكتوبر 2025 وما تبعها من تداعيات إقليمية.
المرحلة الثانية: خطة ترامب الجديدة (20-21 بندًا)
تركز الخطة الحديثة على معالجة آثار حرب غزة الأخيرة، وتهدف إلى..
وقف دائم لإطلاق النار وإعادة جميع الرهائن الإسرائيليين خلال 48 ساعة.
تفكيك القدرات العسكرية لحركة "حماس" وإقامة هيكل حكومة انتقالية في غزة بإشراف لجنة دولية بقيادة توني بلير ورئيس أميركي، مع إشراك السلطة الفلسطينية بعد إصلاحات واسعة.
نزع سلاح غزة بالكامل، بما في ذلك تدمير الأسلحة الثقيلة والأنفاق.
آليات حماية المدنيين وإعادة إعمار غزة بمساعدات دولية وإقليمية، لضمان الحد من الجوع والفقر.
إشراك خبراء تنمويين دوليين لإطلاق مشاريع اقتصادية في غزة والضفة، بما يعزز فرص العمل والاستثمار.
العفو عن عناصر حماس الراغبين في السلام، وتأمين ممر آمن لمن يرفض البقاء في القطاع.
عدم ضم إسرائيل للضفة الغربية أو احتلال أي جزء من غزة، مع ضمانات لعدم مهاجمة قطر مستقبلًا.
مسار مستقبلي لإقامة دولة فلسطينية بعد إصلاحات جوهرية في السلطة الفلسطينية.
ابرز التحليلات الدولية والخبراء
يشيرون خبراء الشرق الأوسط والدبلوماسية الدولية إلى أن استراتيجية ترامب الحديثة تمثل تحولًا نوعيًا عن نهج السلام الاقتصادي السابق.
ومن جانبه يرى جوناثان شافير، الباحث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأوسط، أن الخطة تجمع بين الضغط العسكري والسياسي والاقتصادي لإجبار الأطراف على قبول الحلول الوسط، مع الحفاظ على الضمانات الأمنية لإسرائيل.
وتقول سوزان مالوني، خبيرة الشؤون الفلسطينية والعربية، إن إشراك السلطة الفلسطينية بعد الإصلاحات يمثل فرصة لتحقيق وحدة فلسطينية حقيقية، وهي حجر الزاوية لإقامة دولة مستقرة.
وفق تقرير إكسيوس، فإن الخطة تشمل آليات دقيقة لضمان تنفيذ إصلاحات داخل غزة، وتعزيز الحوكمة، وجذب الاستثمارات، وهو ما قد يعيد إحياء القطاع بعد سنوات من الحصار والصراع.
الأبعاد الإقليمية والدولية
السعودية وفرنسا لعبتا دورًا حاسمًا في دفع الأطراف للقبول بالخطة، وخاصة بعد ما شهدته غزة من مأساة إنسانية جذبت اهتمام العالم.
إسرائيل، رغم قبولها بعض بنود الخطة، لا تزال تتحفظ على مشاركة السلطة الفلسطينية في حكم غزة، بينما ترفض أي خطوات ضم إضافية للضفة.
إيران وأذرعها الإقليمية تفقد حجج التدخل بعد التمهيد لحل دولي، مما يقلص من قدرتها على التأثير في الصراع العربي الإسرائيلي.
ابرز التحديات المحتملة
قبول حماس بالخطة: لا يزال هناك شكوك قوية بشأن استعداد الحركة للمبادرة، خاصة وأنها صيغت من دون إشراكها المباشر.
إصلاحات السلطة الفلسطينية: عدم وضوح التفاصيل العملية لهذه الإصلاحات قد يعطل المسار السياسي.
التوازن الإسرائيلي–فلسطيني الضغوط الداخلية الإسرائيلية قد تؤثر على الالتزام الكامل ببنود الخطة.
نحو مرحلة تاريخية غير مسبوقة
نجد استراتيجية ترامب لإحلال السلام في الشرق الأوسط تجمع بين الحزم السياسي والأمني والتعاون الدولي والتنمية الاقتصادية، وهي تمثل محاولة تاريخية لتغيير قواعد اللعبة في المنطقة. من خلال هذه الخطة، يُمكن أن تتحول غزة والضفة إلى مناطق مستقرة تنمو اقتصاديًا وتتجنب الصراعات المسلحة، بينما تعزز فرص إقامة دولة فلسطينية معتمدة على وحدة فلسطينية وإصلاحات حقيقية.
كما أن نجاح هذه الاستراتيجية يعتمد على التنسيق الدولي والإقليمي المتكامل، واستعداد الأطراف لقبول التنازلات المدروسة، والتزام إسرائيل بضمانات السلام، وهو ما قد يجعل هذه الخطة نقطة تحول حاسمة في تاريخ النزاع العربي الإسرائيلي.

















0 تعليق