يقف السودان اليوم عند مفترق تاريخي بالغ الحساسية، حيث تتقاطع حرب ممتدة منذ أبريل 2023 مع أزمات إنسانية غير مسبوقة وضغوط إقليمية ودولية تهدد وحدة الدولة وسلامة أراضيها.
السودان في قلب معادلة الأمن الإقليمي
الصراع في السودان تسبب في سقوط عشرات الآلاف من القتلى، وتشريد أكثر من 14 مليون شخص، وجعل السودان يتصدر قائمة الأزمات الإنسانية عالمياً لعدة سنوات متتالية.
وفي هذا السياق، تبرز الشراكة المصرية–السودانية بوصفها ركيزة توازن أساسية ليست مجرد علاقات ثنائية، بل تعبير عن إدراة (استراتيجية) مشترك بأن تفكك السودان سيعيد رسم خرائط الاضطراب في الإقليم بأسره — من الأمن المائي في نهر النيل إلى استقرار القرن الأفريقي والبحر الأحمر.
الاتصال المصري–الأميركي.. رسائل واضحة وحدود حمراء
في ضوء ذلك، اتصال هاتفي جمع وزير الخارجية المصري د. بدر عبد العاطي مع كبير مستشاري الرئيس الأمريكي للشؤون العربية والأفريقية، مسعد بولس، أكد توافقًا سياسيًا واضحًا حول أولوية الحفاظ على وحدة السودان ورفض أي محاولات لتقسيمه أو العبث باستقراره.
أهمية التنسيق المستمر في إطار “الرباعية الدولية” (الولايات المتحدة، السعودية، الإمارات، مصر) لإدارة الأزمة وتحقيق تقدم.
إدانة الهجمات على بعثة الأمم المتحدة في كادوقلي، والتضامن الكامل مع الشعب السوداني.
هذا التوافق لا يقتصر على الكلمات، بل يُمثل إطار عمل عمليًا نسق جهودًا دولية لإحلال هدنة إنسانية أولية ومن ثم الانتقال لعملية سياسية شاملة تشمل وقف إطلاق النار ودخول المساعدات.
المسار الإنساني: أولوية لا تحتمل التأجيل
الحرب في السودان خلفت كارثة إنسانية ضخمة، مع ارتفاع معدل النزوح، نقص الغذاء، انهيار الخدمات الصحية، واستهداف المدنيين ومرافقهم.
تقارير حديثة لمنظمة الإغاثة الدولية تضع السودان في مقدمة أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم لسنوات متتالية.
منظمة الصحة العالمية وثقت مقتل أكثر من 1,600 شخص في هجمات على مرافق صحية خلال عام واحد فقط.
الأمم المتحدة أصدرت تقارير تفيد بعمليات قتل جماعي في مخيمات النزوح، منها تجاوز 1,000 قتيل في مخيم زمزم فقط في أبريل الماضي.
الموقف المصري يدعو إلى مسار إنساني فعال يضمن وصول المساعدات دون عوائق، ويعمل بالتوازي مع الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والجهات الإغاثية لضمان حماية المدنيين والحد من التدهور الاجتماعي والاقتصادي.
ليبيا والبحيرات العظمى: مقاربة مصرية ثابتة للدولة الوطنية
لم يقتصر موقف مصر على الملف السوداني وحده، بل يشمل أيضًا:
التأكيد على وحدة ليبيا وسلامة مؤسساتها، وضرورة خروج المرتزقة والقوات الأجنبية لاستعادة الأمن والاستقرار.
الإشادة باتفاق واشنطن في منطقة البحيرات العظمى بين الكونغو الديمقراطية ورواندا، مع التأكيد على تنفيذ التزامات بناء الثقة وخفض التصعيد.
وهذا يُظهر أن السياسة المصرية تجاه دول الجوار تتمحور حول دعم الدولة الوطنية ومؤسساتها كسبيل لتحقيق الاستقرار طويل المدى.
اجتماع بورسودان: ترجمة سياسية لدعم إنساني
زيارات ولقاءات ميدانية مثل اجتماع بورسودان الذي جمع وزير الخارجية المصري بنظيره السوداني ووكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، تُعتبر ترجمة عملية للمواقف السياسية:
التأكيد على رفض أي مخططات لتقسيم السودان.
تسهيل دخول المساعدات الإنسانية عبر المنافذ المصرية المتاحة.
تنفيذ توجيهات القيادة السياسية المصرية بتخفيف معاناة الشعب السوداني.
الرؤية المصرية: الدولة الوطنية أولاً
تعتمد المقاربة المصرية على معادلة واضحة.
الدولة الوطنية هي الضامن الأساسي للاستقرار.
ان تفكيك السودان لن يخلق استقرارًا بديلاً، بل سيدفع الفوضى للتوسع في الإقليم.
أمن السودان جزء لا يتجزأ من الأمن القومي المصري، مما يبرر خطوط مصر الحمراء تجاه تهديدات وحدة الدولة وسلامة مؤسساتها.
وقد أعلنت مصر صراحة خطوطًا حمراء لا يمكن تجاوزها بأي شكل من الأشكال، منها:
رفض انفصال أي جزء من السودان أو تشجيع كيانات موازية.
التأكيد على الحق في اتخاذ الإجراءات اللازمة حسب القانون الدولي واتفاقيات الدفاع المشترك لضمان أمن البلدين.
الصحافة الدولية والتحليل العالمي: مقاربة متكاملة
Reuters وغيرها من وكالات الأنباء العالمية تؤكد أن الرباعية الدولية تعمل على خطة تشمل: وقفاً لإطلاق النار، هدنة إنسانية أولية، مرحلة انتقالية سياسية مدنية.
AP News وغيرها من الصحف الكبرى ترى أن الأزمة في السودان واحدة من أخطر الأزمات الإنسانية في العالم، وتربط بين تفاقم المعاناة وضرورة وقف الحرب لحماية المدنيين وحفظ مؤسسات الدولة.
قراءة نقدية وتحليلات في الصحافة العالمية
تحليلات مثل تلك الصادرة عن Al Jazeera أو تقارير مراكز بحثية تناقش ضعف التنسيق الدولي، وتضارب الأجندات الإقليمية، خاصة فيما يتعلق بدور بعض القوى الإقليمية الداعمة لفصائل في الداخل، مما يزيد من تعقيد الحل السياسي ويُبطئ تنفيذ الخطط المطروحة للسلام.
تكشف التطورات الأخيرة أن شراكة مصر والسودان لم تعد مجرد تنسيق دبلوماسي، بل تحولت إلى خيار استراتيجي لحماية الأمن الإقليمي من سيناريوهات التفكك والفوضى.
ففي مواجهة حرب طاحنة وأزمة إنسانية ضخمة ومخططات إقليمية معقدة ارتبطت السياسة المصرية والدولية بإعلاء مبدأ الدولة الوطنية ووحدة السودان.
هناك توافق دولي محترم حول وقف النار والتحول لمسار سياسي شامل.
التحركات الإقليمية والدعم الدولي يستهدفان حماية المدنيين واستدامة مؤسسات الدولة.
مصر تعتبر أمن السودان جزءاً لا يتجزأ من استقرار الشرق الأوسط بأسره.
وبناءً عليه، تبدو وحدة السودان—بدعم من مصر وشركائها الدوليين— ليس فقط حقاً للشعب السوداني، بل ضرورة استراتيجية لأمن المنطقة واستقرارها في مواجهة تحديات عميقة ومتعددة الأبعاد.

















0 تعليق