العمالة الهاربة وشبكات الإيواء غير النظامية

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
العمالة الهاربة وشبكات الإيواء غير النظامية, اليوم الاثنين 22 ديسمبر 2025 07:30 صباحاً

في السنوات الأخيرة، لم تعد جرائم العمالة الهاربة تقرأ بوصفها مخالفات لنظام العمل والإقامة، بل باتت ظاهرة مركبة تكشف عن خلل أعمق في منظومة التنظيم والرقابة. فالعامل الذي يهرب من صاحب العمل يتحول تلقائيا إلى خطر أمني! والخطر الحقيقي يبدأ حين يجد هذا العامل أو العاملة بيئة حاضنة تؤويه وتستثمر حاجته، ومن ثم توظيفها خارج الأطر النظامية، فتتشكل شبكة تتقاطع فيها المخالفة الإدارية مع الجريمة المنظمة. ومن هنا، تصبح القضية مسألة أمن عام، لا مجرد مخالفة لنظام العمل والإقامة.

تفرز هذه الظاهرة مخاطر أمنية متعددة، لعل أبرزها صعوبة التتبع الأمني، إذ إن وجود عمالة بلا عناوين ثابتة أو هويات محدثة يخلق فراغا معلوماتيا يعيق عمل الجهات الأمنية. كما أن هذه الشبكات قد تشكل بيئة خصبة لارتكاب جرائم أخرى، مثل التزوير، والسرقة، والاتجار بالبشر، وترويج المخدرات، فضلا عن إمكانية استغلالها في أنشطة أشد خطورة.

فمن وجهة نظري، لمعالجة هذه الظاهرة، لا يمكن أن تختزل في ملاحقة العامل الهارب وحده، أو تتبعه أمنيا بالتحريات بعد وقوعه بالجريمة، لأن ذلك يعالج النتيجة ويتجاهل السبب. ولذلك، يصبح من الضروري إعادة توجيه الجهد نحو تفكيك البيئة الحاضنة، بدءا بمتابعة دقيقة لإيواء غير النظامي بصورة عملية، حملات أمنية وغيرها، مرورا بتشديد الرقابة على المساكن العشوائية ومواقع العمل غير المصرح بها، وانتهاء بتعزيز التكامل المعلوماتي بين الجهات المعنية. وعلى هذا الأساس، فإن الحل الأمني الفعال هو الذي يضرب الشبكة لا الحلقة الأضعف فيها.

إضافة إلى ذلك، تفكيك أجزاء المشكلة بإصلاحات إدارية من خلال، تبسيط إجراءات تصحيح الأوضاع، وتفعيل البلاغات الآمنة، وتحفيز أصحاب العمل على الإبلاغ المبكر، كلها أدوات تقلل من احتمالية الهروب وتحد من توسع الشبكات غير النظامية. والمهم رفع الوعي المجتمعي بخطورة تشغيل العمالة المخالفة ليساهم في تجفيف الطلب الذي تقوم عليه هذه الظاهرة، وهو ما يجعل المجتمع شريكا في الحل لا جزءا من المشكلة.

ختاما، يمكن القول إن العمالة الهاربة ليست جوهر الإشكال، بل عرض لخلل أوسع في منظومة التنظيم والالتزام. ومن ثم، فإن حماية الأمن العام لا تتحقق فقط بالتتبع الأمني وتشديد العقوبة بعد وقوع الجريمة - أو وقوع الفأس بالرأس - بل ببناء بيئة نظامية مغلقة أمام مساكن الإيواء العشوائية وغير النظامية، والتصحيح للإجراءات المخالفة، ثم الربط المحكم بين الأمن والتنظيم والوعي. فحين تغلق منافذ الإيواء غير النظامية، تتراجع الظاهرة تلقائيا، وتتجه نحو الحل لهذه الظاهرة الخطيرة.

expert_55@

أخبار ذات صلة

0 تعليق